فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الجمال والدلال:

جمال المرأة ودلالها هو أغلى ما يبحث عنه عبيد الشّهوة وجمال المرأة أمر ذاتي فيها يولد معها أمّا دلالها فأمر نفسي يتولد من رخاء العيش: قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24].
فهل بيت النبيّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم كان معرضا للجمال وبيئة للدلال؟
لم يذكر التاريخ أنّ صاحب الرسالة صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم بنى بامرأة من أجل حسبها وجمالها؟
وقد عرفت أسباب التعدد الثلاث؛ أمّا دلالهنّ؛ فانّ شظف العيش وقلة الضروريات قد أنست نساء النبيّ صلّ يا ربّ عليه وآله وبارك وسلّم دلالهنّ والدلال وليد الرخاء فلمّا فتح الله تعالى كنوز الأرض للنبيّ وللمسلمين اشتاق نساء النبيّ إلى العيش اللين والكساء الناعم كغيرهنّ من نساء المؤمنين وحدث أن تظاهر نساء النبيّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم عليه وطالبنه بالعيش ألرغيد ليظهرنّ دلالهنّ وكان الطلب عادلا وسهل ألتحقيق ولكنّ النبيّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم رفض طلبهنّ واعتزلهنّ شهرا قضاه في المسجد، ثمّ خيرهنّ القرآن بين أمرين:
أمّا الرضا بعيش الكفاف مع الصبر وأمّا الطلاق ذلك لأنّ متعة العيش- وان كانت حلالا- إلا أنّها تشغلهنّ عن الرسالة التي من أجلها جئنّ إلى بيته وفي ذلك يقول ألقرآن في آية التخيير: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}الأحزاب 28-29
ولكن سرعان ما عاد نساء النبي ّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم إلى عقولهنّ الكبيرة واخترنّ الله ورسوله راضيات بالعيش الكفاف في بيت النبيّ هل قرأ الذين يتطاولون على النبيّ هذه الآيات؟ ألم تكن مطالب نسائه عادلة؟ ألم يكن في دلالهنّ متعة له إن كان يريد الجمال والدلال؟ إن الإجابة الوحيدة على كلّ هذه الأسئلة التي تولدها هذه القصة.

.قصة التخيير:

هي أنّ هذا الزواج كان زواج رسالة وإنسانية فسَّر داخلية النبيّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم وكشف عن عظمته؛ وبعد:
فقد انكشف لك اللثام عن الحقّ ونذكرك دائما بالحقائق الآتية:

.تعدد الزوجات مشكلة طبيعية:

والإسلام عمل على تقييد العدد فقط بأربع نساء بعد أن كان مطلقا كل نساء النبيّ تزوجنّ قبل نزول الآية الكريمة التي تحدد الزوجات بأربع فقط لأن الآية نزلت في السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة زوجات النبيّ جميعا أرامل إلا عائشة رضي الله تعالى عنهنّ وقد عقد النبيّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم عليها بعد أن بلغت وتمّ نضجها الجسميّ بل بعد مرور عامين من خطبتها الأولى نجح النبيّ في تأليف قلوب الملوك الذين تزوج بناتهم فهو زواج عبقريّة أمّا أرامل الشّهداء فكنّ عجائز ذوات يتامى لهنّ ماض مشّرف في الإسلام فهو زواج تشّريف.
فترة تعدد الزوجات هي فترة الكفاح المسّلح حيث اختلت الميزانية العددية للرجال وكان النبيّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم في هذه الفترة يقضي نهاره في تعليم أمّته ويقضي ليله في محرابه فهل بقي لجسده شيء؟!. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}.
نهاهن عن التبذُّل، وأمَرَهُنَّ بمراعاةِ حُرْمَةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، والتصاون عن تَطَمُّعِ المنافقين في مُلاينتهن.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}.
{الرجس} الأفعالُ الخبيثةُ والأخلاقُ الدنيئة؛ فالأفعال الخبيثة الفواحش ما ظهرَ منها وما بطن، وما قلّ وما جلّ. والأخلاقُ الدنيئةُ الأهواءُ والبِدَعُ كالبخل والشحِّ وقَطْعِ الرَّحِم، ويريد بهم الأخلاقَ الكريمةَ كالجُودِ والإيثار والسخاء وصِلَةِ الرَّحِمِ، ويديم لهم التوفيق والعصمة والتسدسد، ويُطهرهم من الذنوب والعيوب.
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}.
أذْكُرْنَ عظيمَ النعمة وجليل الحالةٍ التي تجري في بيوتكن؛ من نزول الوحي ومجيء الملائكة، وحُرْمَةِ الرسول صلى الله عليه وسلم والنور الذي يقتبس في الآفاق، ونور الشمس الذي يَنبسط على العالم، فاعرفن هذه النعمة، وَارعين هذه الحُرمة. اهـ.

.قال ابن القيم:

واختلف في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال:
فقيل: هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه.
والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبي حنيفة، والرواية عن أحمد واختيار ابن القاسم صاحب مالك.
والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو مطلب، وبنو أمية، وبنو نوفل، ومن فوقهم إلى بني غالب، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك، حكاه صاحب الجواهر عنه، وحكاه اللخمي في التبصرة عن أصبغ، ولم يحكه عن أشهب.
وهذا القول في الآل أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو منصوص الشافعي وأحمد والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي.
والقول الثاني أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة، حكاه ابن عبد البر في التمهيد قال في باب عبد الله بن أبي بكر، في شرح حديث أبي حميد الساعدي: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر، وفي غير ما حديث: «اللهم صل على محمد على آل محمد»و في هذا الحديث يعني حديث أبي حميد: «اللهم صل على محمد وعلى وأزواجه وذريته»، قالوا: فهذا تفسير ذلك الحديث، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته، قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد صلى الله عليه وسلم ومن ذريته صلى الله عليك، إذا واجهه، وصلى الله عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم.
قالوا: والآل والأهل سواء، وآل الرجل وأهله سواء، وهم الأزواج والذرية بدليل هذا الحديث.
والقول الثالث: أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله، ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري وغيره، واختاره بعض أصحاب الشافعي، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقة، ورجحه الشيخ محيي الدين النواوي في شرح مسلم واختاره الأزهري.
والقول الرابع: أن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة.
فصل في ذكر حجج هذه الأقوال، وتبين ما فيها من الصحيح والضعيف:
فأما القول الأول: وهو أن الآل من تحرم عليهم الصدقة على ما فيهم من الاختلاف، فحجته من وجوه:
أحدها: ما رواه البخاري في صحيحه: من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالنخل عند صرامه، فيجيء هذا بتمرة وهذا بتمرة حتى يصير عنده كوم من تمر، فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه، فقال:«أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة»، ورواه مسلم وقال: «إنا لا تحل لنا الصدقة».
الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه: عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبًا فينا بماء يدعى خمًا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: «أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، وقال: وأهل بيتي: أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».
فقال له حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إن نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: أكل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصدقة لا تحل لآل محمد».
الدليل الثالث: ما في الصحيحين: من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة»، إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل.
فآله صلى الله عليه وسلم لهم خواص: منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه، ومنها استحقاقهم خمس الخمس، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليهم.
وقد ثبت أن تحريم الصدقة واستحقاق خمس الخمس وعدم توريثهم مختص ببعض أقاربه صلى الله عليه وسلم فكذلك الصلاة على آله.
الدليل الرابع: ما رواه مسلم: من حديث ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره، أن أباه ربيعة بن الحارث، قال لعبد المطلب بن ربيعة، وللفضل بن العباس رضي الله عنهما: ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يا رسول الله على الصدقات فذكر الحديث وفيه: فقال لنا: «إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد».
الدليل الخامس: ما رواه مسلم في صحيحه: من حديث عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، فذكر الحديث وقال فيه: «فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكبش، فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، ومن آل محمد، ومن أمة محمد. ثم ضحى به».
هكذا رواه مسلم بتمامه، وحقيقة العطف المغايرة، وأمته صلى الله عليه وسلم أعم من آله.
قال أصحاب هذا القول: وتفسير الآل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تفسيره بكلام غيره.
فصل:
وأما القول الثاني: أنهم ذريته وأزواجه خاصة، فقد تقدم احتجاج ابن عبد البر له، بأن في حديث أبي حميد «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته»، وفي غيره من الأحاديث اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وهذا غايته أن يكون الأول منهما قد فسره اللفظ الآخر.
واحتجوا أيضًا بما في الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا» ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنل كل بني هاشم ولا بني المطلب، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة وإلى الآن. وأما أزواجه وذريته صلى الله عليه وسلم فكان رزقهم قوتًا، وما كان يحصل لأزواجه بعد من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتًا. وقد جاء عائشة رضي الله عنها مال عظيم فقسمته كله في قعدة واحدة، فقالت لها الجارية: لو خبيت لنا منه درهمًا نشتري به لحمًا؟ فقالت لها: لو ذكرتني فعلت.
واحتجوا أيضًا بما في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل». قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها.
قال هؤلاء: وإنما دخل الأزواج في الآل، وخصوصًا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشبيهًا لذلك بالسبب، لأن اتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفع، وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام النسب.
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عليهن، ولهذا كان القول الصحيح، وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله: أن الصدقة تحرم عليهن، لأنها أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع وآله من كل أوساخ بني آدم، ويا لله العجب كيف يدخل أزواجه في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا»، وقوله في الأضحية: «اللهم هذا عن محمد وآل محمد»، وفي قول عائشة رضي الله عنها: «ما شبع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز بر» وفي قول المصلي: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»، ولا يدخلن في قوله: «إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد مع كونها من أوساخ الناس»، فأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصيانة عنها والبعد منها.
فإن قيل: لو كانت الصدقة حرامًا عليهن لحرمت على مواليهن، كما أنها لما حرمت على بني هاشم على مواليهم، وقد ثبت في الصحيح أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته، ولم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها.